هموم المعرفة
د. محمد ناصف
“علم أبناءك القراءة والكتابة فقط.. كل ما دون ذلك يسمى غسيل دماغ“
قائل العبارة هو الميكانيكي السابق والروائي الحالي والصحفي الأمريكي الشهيرتشارلز مايكل تشاك بولانيك. ربما نختلف مع المعنى الظاهري للمقولة، ولكن نؤمن بأن المعرفة هم والجهل غفلة، وكثيرًا ما نصادف في دنيانا ما يؤرقنا ويدخلنا في صراع بين الصمت والمواجهة نتيجة معرفتنا بماهية وخبايا الأمور، ويزداد الصراع عندما يتعلق الأمربتخريف في علم أو تخريب في عقيدة، فنتذكر مقولة بولانيك بين الحين والآخر.
ومن هذه الصراعات والهموم التي ألفناها على الفيسبوك ذاك اللص الذي ينسب لنفسه مجهودات الآخرين معتقدًا أنه يعيش في غرفة مغلقة، وذاك الذي ينشر باللغة العربية في دار نشر مجهولة الهوية ويزعم أنه نشر دولي نتيجة عدم معرفته ودرايته بخبايا الأمور، وذاك الذي يسافر للخارج لحضور مؤتمر أو للسياحة أو للدراسة، فيتوهم أنه امتلك ناصية العلم نتيجة عدم معايرة نفسه بالمجتمع الأكاديمي الدولي وانكماشه في محليته، وذاك الذي ينجز درجاته العلمية مهرولًا عبر المساومة، والنَعم، والحاضر، والذل، ثم يستفيق بعدها ليجد أن هناك عالم آخر من البحث العلمي، لا يعلم عنه شيئًا، وأنه استبق النتائج قبل دراسة المقدمات.
وهذا يتملص من هويته، فيخونه بريق اللغات الأجنبية، فيتبرأ من لغته العربية ليتفوه بكلمة إنجليزية وأخرى عربية، وآخر يكسر القاعدة، وينشر بلغة لا يجيدها في مجلة مزيفة وهمية، وذاك أستاذ يزعم أنه عالم، يثير قضية جدلية انتهت منذ نهاية الثمانينات، وآخر صار خبيرًا سياسيًا مفوهًا، وحجز مقعد الفهم والوطنية لنفسه مرددًا تحيا مصر، أمثلة كثيرة عن تناقضات هذا المجتمع، نغض الطرف عنها، فلا نشارك في جدال، ولا ننافق بالتبريكات، ومعسول الكلام مع من غابت عنهم المعرفة، ونبتعد عن الدخول في مشاحنات لأن تغيير الفكر أساس لتغيير السلوك، وحتمًا ستصادف مثالًا من الأمثلة السابقة أو أكثر، يعبر عما بداخلك من صراعات وهموم.
كل هذه الهموم والصرعات التي تجول بداخلك نتيجة المعرفة، والإطلاع تتيح لك تقييم الأمر كما ينبغي، وبالنقيض غفلة الجهل تجعلك تضع هؤلاء في منازل لا يستحقونها. وعلى أية حال، كل هذه أمور التحدث بشأنها يجلب المتاعب، ولكن عندما يمس الأمر العقيدة فينبغي على كل مسلم أن يكون درعًا، ويوضح ويحذر ويفصح عن معرفته، ليلفت نظر القائمين على الأمر، ولا ينتظر أجرًا، فأجره على الله.
نشر الداعية المعروف معز مسعود- والذي يحظى بقبول لدى الشباب- مقالًا مفصلًا عن حياته الشخصية، وتبريرًا لمريديه عن زواجه الأخيرمن الفنانة شيري عادل، وما يحاط به من تناقضات.
منطقيًا، لسنا أقارب عنتر، ولا أخوة عبلة، ولا أصهار عمارة بن زياد، ولكننا نغير على الدين، نتمسك بعقيدتنا، ونرفض تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يهمنا من يلتزم أو يتبرج، ولو خرج هذا وقال اسأل الله الهداية لي ولكم، لكان أجدى من تحريف النصوص، ولي عنق المعاني، والله نسأل لنا وله الهداية. وددت في هذا المنشور أن أوضح ماهية الدراسات الدينية التي يعود أصحابها إلى الوطن، ليخربوا في العقيدة، ويبثوا سموم ما تعلموه بالخارج على الملأ عبر القنوات الفضائية.
ينبغي أن نعرف أن هذا الداعية دارس بجامعة كامبريدج في تخصص الدراسات الدينية، وعلم اللاهوت، كما هو الحال مع السيد إسلام البحيري الدارس بجامعة ويلز بإنجلترا،تخصص “طرائق التعامل مع التراث”وغيرهم كثر، موضوعات في ظاهرها دينٌ، وباطنها سمٌ. وحقيقة الأمر، سواء كانت الدراسة على نفقتهم الشخصية، أو عبر منح، فهي دراسة أو منح موجهة فكريًا لتخريب العقيدة، ويتم تدريبهم على الإتصال الفعال مع الشباب بشكل متقن، وبمنهج عجز عنه رجال الدين في وطننا. المنح الحميدة – كما أسميها– يرجى منها اكتساب علم و نشر ثقافة، أما الخبيثة تكون موجهة فكريًا أو دينيًا أو سياسيًا، وتلجأ كل الدول الاستعمارية إلى توفير منح للطلاب الدوليين، إما للاستفادة منهم علميًا، أو لأسباب باطنة، تتدخل فيها الجهة الأصلية الممولة للمنحة. بكل حسرة أقول باللغة العامية ” إن أي حاجة لابسة خواجه بنضرب لها تعظيم سلام دون فحص أو تحري عن الخواجه“.
وحتى يتضح الأمر، و لكشف حقيقة تلك الدراسات، إليك ضربًا من الأمثلة: هذا طالب مسلم حصل على الليسانس والماجستير من مصر في تخصص اللغات، ثم سافر لدراسة الدكتوراة على نفقة الدولة مع أستاذ في علم اللاهوت وسيعود ليعين بدرجة مدرس في تخصص اللغات، وأخر تخصصه دراسات إسلامية، ذهب ليحصل على الماجستير من كامبريدج في الدراسات الدينية وعلم اللاهوت وسيعود لنا بدين جديد مثل غيره، وآخر لنيل درجة الماجستير من أكسفورد في تحقيق التراث، وآخر ذهب لهارفارد مرتديًا عباءة الالتزام والدين، ليعود لنا بماجستير الإدارة الحكومية، ليجد مكانه مجهزًا، ومصنوعًا، لمساعدتهم على التخريب في الدولة. هذه نماذج للمنح الموجهة دينيًا وفكريًا وسياسيًا، والدولة في سبات عميق، فلقد ألفت قلوبنا، وعقولنا عقدة الخواجة، ثم نتسائل من أين تأتي العقيدة الفاسدة، ومن ثم الإرهاب!
ما يحدث أن الطالب تتم تغذية عقله بمسمى الدين، مغلفًا بسموم أفكارهم، فتفتح القنوات من أجل الداعية الجديد ليتم تقديمه على أنه حاصل على الدكتوراة من جامعة أجنبية في فرع يخص دين الإسلام، محاطًا بدعاية إعلامية، فيتحدث بمعسول الكلام، ثم يبث سموم عقله بين دقيقة وأخرى، فينتج اللغط بين الشباب للتمرد على التقيد، والإلتزام الديني، وبناء عقيدة حسب الأهواء مستندا على إعمال العقل لبناء فهم ونقد جديد للعقيدة. أيعقل أن أدرس علوم ديني في دولة تكره فكرة الدين وأنا من بلد الأزهر؟!
أتذكر صديقي المهذب الذي رغب يومًا في دراسة الدكتوراة بالخارج في تخصص الدراسات الإسلامية، فنصحته إن منابع تخصصك في وطنك أفضل، فلتتعلم اللغة لتسافر لتنشر عقيدتك السليمة، وفكرك، وليس لتأتي بفكرهم التخريبي لتنشره في وطنك. والحمد لله أنه استمع للنصيحة، وإلا كان لدينا جهبز آخر من جهابذة هذا الزمان. والشيء بالشيء يذكر، أتذكر الأمريكية التي سألتها يومًا بعد مبادرتها بالمناقشة لماذا لا تؤمنين بوجود إله؟! فجاوبتني بكل شفافية، أنا أعرف أن هناك إله، ولكن لا أريد التقيد بدين، أريد أن أكون متحررة! هذا هو الفكر الذي يعود به أصحاب هذه الدرجات، يريدون عقيدة لأهوائهم، عقيدة لا تقيد، ولا تلزم بشيء، فربك غفور رحيم، والإسلام نزل تدريجيًا، ويتغافلون عن الآية الكريمة، بسم الله الرحمن الرحيم: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” صدق الله العظيم.
وللموضوعية، نحن لا نعارض مطلقًا دراسة الطالب ما يريد، و أن يسافر كيفما شاء، وينخدع فيما يريد، ولكن لا يبث سمومه عبر قنوات شيطانية، خصصت له، فالعقيدة خط أحمر، ولا أن يعين في تخصص غير الذي حصل عليه بالخارج، وعلى الجهات الرقابية، والمسئولة في الدولة، وعلى الأزهر الشريف أن يتولوا مسئولية فحص الدرجات العلمية المتعلقة بالأديان وإجازاتها من حيث سلامة العقيدة لصاحبها، وتحديد تخصص الطالب، حتى لا يخرج علينا كل فترة من يخرب في العقيدة لتتماشى مع أهوائه، أو ليقتات بها عيشًا في دنياه.
أصلح الله حالنا وحالكم، وحفظنا وإياكم ممن باعوا دينهم واشتروا به ثمنا قليلًا.